انتشال النساء من الفقر من خلال مشاريع الثروة الحيوانية في اليمن

يقدم مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن الاكتفاء الذاتي للعائلات في بلد تلوح فيه المجاعة.

14 مارس 2021

بالنسبة لـ "زرعة"،  الأم العازبة والتي تبلغ من العمر 65 عاماً التي قامت بتربية أطفالها الستة بمفردها، فإن الحصول على الاكتفاء الذاتي وإيجاد طريق للخروج من الفقر أمر غير وارد. كانت حياة "زرعة" كحياة العديد من النساء الريفيات في جميع أنحاء اليمن، في بلد يواجه العديد من التحديات البيئية والمالية والاجتماعية، التي تفاقمت بسبب سنوات من الصراع.

يحتاج ثلثا السكان في اليمن إلى الدعم لعيش حياة كريمة، فيما يواجه أكثر من 16 مليون شخص الجوع هذا العام. الوضع مريع للغاية، لدرجة أن الأمم المتحدة طلبت في الأول من مارس/ آذار 3.85 مليار دولار أمريكي، في شكل تمويل فوري. وهذا هو المطلوب لمنع حدوث مجاعة واسعة النطاق في اليمن، حيث سيعاني نصف أطفال البلاد دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام، بما في ذلك 400,000 ممن قد يفقدون حياتهم إذا لم يكن هناك تدخل عاجل.

ومما زاد الوضع سوءاً، أن هذه الظروف يصاحبها تدهورٌ اقتصاديٌ مقلق، واضطرابٌ شديد في النشاط التجاري بسبب الصراع المستمر.

ومن أجل المساعدة في منع حدوث ذلك، يعمل مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن التابع لمشروع الأمم المتحدة الإنمائي، بالشراكة مع المؤسسة الدولية للتنمية، التابعة للبنك الدولي، بجد مع شريكنا الوطني، وكالة تنمية المشاريع الصغيرة والأصغر، للحفاظ على استمرار المشاريع في قطاع الثروة الحيوانية. لقد غيرت جهودنا بشكل ملحوظ حياة "زرعة" والآخرين نحو الأفضل.

تربية أسرتها بمفردها

تعمل "زرعة" في تربية الماشية منذ ما يقرب من 20 عاماً. لكن بعدما تركها زوجها، اضطرت للعمل وتربية وإعالة أولادها الثلاثة وبناتها الثلاث بمفردها. بدأت في تربية الماعز والأغنام للعائلات من قرية العكمة شرق الحديدة، مقابل رأس واحدة، من كل مولودين اثنين من الماشية.

"زرعة" تراقب ماشيتها وهي ترعى. | مصدر الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليمن/ 2021

على الرغم من قدرتها على العمل  فقد كافحت "زرعة" كثيراً من أجل استمرار حياتها وحياة أطفالها. فعلى الرغم من أن الاتفاق الذي أبرمته مع أصحاب الماشية أتاح لها إمكانية تربية قطيعها الخاص، إلا أن "زرعة" غالباً ما تضطر لبيع الحملان التي تحصل عليها كدفعة لإطعام ورعاية أطفالها.

تحت أشعة الشمس الحارقة، تقطع "زرعة" مسافات طويلة مع قطيعها من الأغنام والماعز، على أمل العثور على مراعي خضراء على أرضٍ شديدة الحرارة. تحكي لنا "زرعة" أنها تظل طوال يومها تمشي مع قطيعها، تاركة ابنتها الكبرى لرعاية أخواتها الصغيرات وابنها الأكبر الذي كان يساعدها في الرعي، لكنه اصبح طريح الفراش منذ أكثر من خمس سنوات بعد أن تعرض لمشاكل صحية. تقول زرعة إنها من دون مساعدة ابنها الأكبر اضطرت إلى إرسال ابنها الأوس، إبراهيم، للعمل في محافظة ذمار.

تشرح "زرعة" قائلة: "عائلتنا كبيرة، والماشية التي حصلنا عليها اضطررنا لبيعها من أجل توفير الطعام". في كثير من الأحيان، لم يكن لديهم أي شيء، وبالتأكيد لم يكن هناك مكان لأي شيء أكثر من الضروريات. اضافت "زرعة" قائلة، وهي التي لم تتمكن من الحصول على مساعدة لعلاج ابنها الأكبر: "في حال مرض أحد أفراد الأسرة، ليس لدينا الاستطاعة على تحمُّل تكاليف العلاج."

بعد يوم كامل من الرعي، تعود زرعة وغنمها إلى المنزل قبل حلول الظلام. | مصدر الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليمن/ 2021

الثروة الحيوانية والتدريب

اليوم، حياة "زرعة" مختلفة جدا. لا تزال تخرج للرعي، لكنها الآن ترعى ماشيتها وليست ماشية الآخرين، وبعد أن دعمها مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن، فإنها الآن تعمل لنفسها ولعائلتها.

تقول "زرعة" إنها لم تتخيل أبداً أن حياتها يمكن أن تكون هكذا. "عندما عرض علينا مشروع الاستجابة الطارئة سبعة رؤوس من الماشية، أعدنا الحيوانات التي كنَّا نربيها بالشراكة [مع أشخاص من القرية] لأصحابها. فلحسن الحظ ، لم نعد بحاجة إليهم."

زرعة تتلقى تدريباً على كيفية تحضير مواد الأعلاف. | مصدر الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليمن/ 2021

"زرعة" واحدة من أكثر من 1,230 امرأة من مربيات الماشية في المناطق الريفية، اللواتي تلقين دعم المشروع، حيث تم بناء الحظائر لهن، واستلمت كل مُزارعةٍ منهن أربع أغنام حوامل وثلاثة كباش سمان.

كما دعم المشروع مربيات المواشي بالأعلاف المركزة لتسمين الأغنام، وعلف التغذية، وكتل الملح والقوالب، بالإضافة إلى تقديم 18 نوعاً من العلاجات للحفاظ على صحة الماشية. كما أجرى المشروع جلسات توعوية ووقاية حول الأمراض الشائعة التي تنتشر بين البشر والحيوانات. كما أن الحظائر مبنية بشكل جيد للمساعدة في منع هذه الأمراض، حيث تم توزيع الملابس والأدوات اللازمة لتنظيف الحظائر. تلقين مربيات الماشية تدريباً على الأساليب السليمة في التعامل مع الماشية وتنشئتها وتسمينها وتربيتها.

بعد تعلم تقنيات تربية الحيوانات الأكثر فاعلية، يمكن لـ "زرعة" الآن تربية كبش للبيع في غضون ثلاثة أشهر فقط، بدلاً من الأشهر الثمانية التي كانت تستغرقها. كما أنها تكسب أكثر، من الحيوانات السمينة التي تعرف الآن كيف تربيها.

كما تلقت كل امرأة من مربيات الماشية حوالي 300 دولار أمريكي من المساعدات النقدية، لشراء الأعلاف واللوازم الأخرى، بالإضافة إلى المطهرات والمنظفات، للمساعدة في منع انتشار فيروس كورونا.

تستقبل "زرعة" يومها بابتسامة وهي ترعى قطيعها المتزايد يوماً بعد يوم. | مصدر الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اليمن/ 2021

تأثير أوسع

كان الدعم الذي حصلت عليه المربيات بمثابة حافزٌ لهن ولعائلاتهن على العمل الجاد بغرض زيادة إنتاج ماشيتهن. إبراهيم، نجل زرعة، هو مثال على ذلك.

وفقاً لوالدته - "زرعة" - عندما رأى الحملان، كان متحمساً جداً لأنه كان يعلم أنها تمثل فرصة جديدة للعائلة. لذلك، من خلال مدخراته، اشترى خمس إناث أخرى من الحملان، لكي تربيها والدته. اليوم، هي صاحبة 55 رأساً من الماشية.

تقول "زرعة": "أحب كل ما لدي من ماشية وكأنها أولادي،" مضيفة: "لقد تغلبنا على الفقر والجوع الذي واجهناه لسنوات عديدة. الآن يمكنني توفير الطعام والشراب والملابس لأبنائي وبناتي."

تتجاوز هذه الفرص الجديدة لـ "رزعة" وأسرتها القدرة على توفير الضروريات اليومية، فقد أعطت زرعة الأمل في المستقبل، وغيرت حياة إبراهيم، وقدمت له فرصاً جديدة لمساعدة العائلة، وبدء فرصة أخرى خاصة به. كان يحلم بالزواج لسنوات ، لكن فقر الأسرة جعل الأمر مستحيلاً. الآن، بعد أن باعت والدته 10 كباش، وإضافة إلى ما كسبه إبراهيم أثناء عمله بعيداً عن المنزل، تمكن من الزواج.

"زرعة": مربية ماشية ومرشدة

الآن، بعد أن تم تدريبها على التقنيات الأكثر فاعلية في تربية الماشية، أصبحت "زرعة" وجهة لجيرانها، حيث تتشارك معرفتها حول طرق ووسائل تنشئة وتربية الماشية معهم. تقول: "جميعهم يأتون إليّ ليتعلموا كيف يربون ماشيتهم."

إن الدعم والتمكين البسيط المقدمين من خلال هذا المشروع قد رفع العبء عن أكتاف "زرعة" فيما يتعلق ببساطة تأمين الطعام اليومي لعائلتها. لديها الآن الكثير من الطاقة والوقت لرعاية ماشيتها، كما لديها آمال مستقبلية. تتحدث "زرعة" عن تربية عدد ضخم من الماشية، لبيعها من أجل تغطية التكاليف الطبية لعلاج ابنها الأكبر.

تعتبر "زرعة" وعائلتها وماشيتها، أمثلة على الكيفية والدعم اللازم التي يمكن من خلاله خلق مستقبل واعد للمرأة الريفية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحقيق أحلامهم، وانتشالهم من الفقر.

***

بتمويل ودعم من المؤسسة الدولية للتنمية / البنك الدولي ، يعمل الصندوق الاجتماعي للتنمية و مشروع الأشغال العامة، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على تنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن،   حيث يوفر المشروع الذي تبلغ تكلفته 400 مليون دولار أمريكي، محفزات اقتصادية، عبر مشاريع النقد مقابل العمل واسعة النطاق، ودعم الأعمال التجارية الصغيرة، والمبادرات ذات العمالة الكثيفة المرتبطة بالمشاريع الاجتماعية والاقتصادية، مما يعود بالفائدة على الأسر والمجتمعات المحلية المتضررة من الأزمة المستمرة في اليمن.