الحفاظ على حياة اليمنيين من خلال إعادة الحياة إلى الموانئ الرئيسية

28 نوفمبر 2020

Inside Aden Port. Photo Credit: UNDPYemen/2020

كان والدي بحّاراً لمدة 40 عامًا، حيث كان يتنقل في موانئ العالم من لاغوس إلى كاراكاس. كانت ذكرياتي الأولى على متن سفينته وقضيت السنوات الخمس الأولى من حياتي في البحر معه ومع عائلتي. ما زلت أستمتع بالاستماع إلى حكاياته عن المحيطات العظيمة والذكريات المُلهمة لمغامراته.

عشقي للبحر لم ينتهِ أبداً. كطالب شاب في مجال ادارة الأعمال والاقتصاد، ركبت دراجتي إلى ميناء روتردام لمشاهدة السفن وهي تبحر وتتشبع بالهواء المالح، وأراقب الهمة العالية والصخب في الميناء البحري. من بعيد، قد يدرك أي شخص الأهمية الاقتصادية للموانئ فهي قد تكون أساسية جداً أما لبث الحياة في بلد ما أو اختناقه.

لا يختلف الحال مع موانئ اليمن، بل قد تلعب دورًا أكثر أهمية من البلدان الأخرى. في السنوات الأخيرة، بسبب الصراع وعوامل أخرى، اعتمد اليمن بشكل متزايد على استيراد الغذاء من الخارج. تحول العديد من المزارعين إلى المحاصيل النقدية المدرّة للربح السريع كالقات بدلاً من إنتاج محاصيل استهلاكية تسهم في الأمن الغذائي للبلد، مما اضطر اليمن إلى استيراد 90 في المائة من احتياجاته الغذائية، والتي تمر بشكل أساسي عبر الموانئ البحرية.

Photo Credit: UNDP Yemen/2020

تعتبر الموانئ حيوية جداً بالنسبة لليمنيين في حصولهم على الغذاء بشكل عام، ولكن يظل هناك نسبةٌ كبيرةٌ ممن لا يستطيعون الحصول على الطعام. كما هو معروف، فإن نقص الغذاء في اليمن شيءٌ فريد من نوعه وليس كما تتوقعه على الإطلاق. اليمن على شفا المجاعة ليس بسبب عدم توفر المواد الغذائية ولكن بسبب التكلفة العالية للأغذية المستوردة. إن ما يقرب من نصف السكان يتلقون مساعدات غذائية من المجتمع الدولي. تسبب الصراع بفقد الكثيرين لوظائفهم، ويجب على أولئك الذين مازال لديهم عمل أن يعملوا بأجور ضئيلة. لم يتم دفع رواتب موظفي القطاع العام بانتظام - أو بالكامل - منذ سنوات.

لنقُلها بصراحة: الأسواق تفيض بالمواد الغذائية، لكن اليمنيين لا يستطيعون تحمل كلفة شرائها.

من العوامل المساهمة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن التكلفة الإضافية للاستيراد عبر الموانئ البحرية. لقد كان للأضرار الناجمة عن الحرب وسنوات من الإهمال تأثير سلبي ملحوظ على البنية التحتية للموانئ ومعداتها، مما تسبب بزيادة الازدحام وفترات الانتظار قبل أن تتمكن السفن من الرسو. بالإضافة إلى ذلك، تفرض شركات التأمين على السفن التي تصل إلى الموانئ والمحطات اليمنية تأمين "مخاطر الحرب"، بحيث أن أعلى نسبة تأمين "مخاطر الحرب" هي في ميناء عدن.

يتسبب الازدحام، مبالغ التأمين الإضافية، وعمليات التفتيش في إضافة تكاليف إضافية على المستوردين، ما يقرب من ضعف سعر الشحن لكل حاوية. يتم تحميل تلك التكاليف الإضافية بشكل مباشر على المستهلك اليمني في الأسواق والبقالات والمتاجر، وهي تكلفة لا يستطيع تحملها سوى القليل من اليمنيين.

للمساهمة في وضع الطعام على سُفرة المواطن البسيط، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص مع موانئ روتردام وسلطات الموانئ الوطنية في اليمن لإيجاد حلول يمكن التحكم فيها.

Photo Credit: UNDP Yemen/2020


في يوليو 2019، قمنا بتقييم موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في الحديدة، ونقوم الآن بإجراء تقييم مماثل في موانئ عدن والمكلا. هذا النوع من التقييم الفني يعد ضرورياً للمساعدة في ضمان عمل الموانئ الرئيسية في اليمن على النحو الأمثل، بما في ذلك الامتثال للمعايير الدولية وضمان الكفاءة ومستويات السلامة.

في حال تمكنّا من إصلاح البنية التحتية الحيوية للموانئ كالرافعات، ونظام الملاحة، وسعة التخزين، والعوامات - على سبيل المثال - فسيؤدي ذلك إلى زيادة أعداد السفن التي ترسو في الموانئ، مما يقلل الوقت اللازم والمُكلف للغاية والذي تقضيه السفن في الرصيف لتفريغ البضائع وكذلك تقليل تكلفة التأمين على الخطوط الملاحية والشركات التجارية الراغبة في ممارسة أعمالها التجارية في اليمن. هذه تكاليف إضافية يتحملها المستهلك اليمني مباشرة، وهي إحدى القضايا المرتبطة بارتفاع تكلفة الغذاء في اليمن.

في البلدان التي تعاني من الأزمات كاليمن، غالبًا ما يتم تجاهل الاستثمار في البنية التحتية، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ينظر إلى هذا على أنه أمرٌ بالغ الأهمية لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وبناء السلام، والاستثمار في التنمية والنمو المستقبلي لليمن. سيؤدي هذا، مثل العديد من مشاريع الإنعاش الأخرى، دورًا حيويًا في مساعدة اليمن على المضي قدمًا بشكل أفضل.

كطالبٍ وقف يوماً في ميناء روتردام، لم أتخيل أبدًا أنني سأقف في موانئ اليمن، على بعد نصف العالم تقريباً بعيدًا عن روتردام، أشاهد السفن وهي تبحر من والى الميناء وأراقب البحر كالقباطنة أمثال والدي وطاقمه. لكن الاختلاف الآن هو أن هذه السفن تحمل مواداً غذائية بالغة الأهمية حيث تساعد في إنقاذ أكثر من 24 مليون شخص يعتمدون في الغالب بنسبة 100 في المائة على المساعدات الغذائية والإنسانية للنجاة من الصراع المستمر والواقع الصعب الذي يعيشونه.

إن العمل الذي نقوم به مع ميناء روتردام وسلطات الموانئ سيعمل على تنشيط وإعادة تأهيل وتحديث الموانئ، مما سيؤدي إلى خفض التكاليف على الأسرة اليمنية والسماح لها بتأمين الغذاء لجميع أفرادها. مما سيمكنهم أيضاً من الاستفادة مما سيوفرونه لاحتياجات ذات أهميةٍ بالغةٍ كالمدرسة والغذاء والمأوى، وفي نهاية المطاف قد يمنحهم الأمل في مستقبلٍ مشرقٍ لهم و لليمن عموماً.


عن المؤلف

يعمل السيد أوكِ لوتسما في اليمن كممثل مقيم منذ فبراير 2019. وقد بدأ عمله في صنعاء كمدير قطري في أغسطس 2016.

بدأت الحياة المهنية للسيد لوتسما مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1994. عمل السيد لوتسما سابقًا كمدير قطري في رواندا؛ كبير مستشاري التعافي في أوكرانيا؛ نائب المدير القطري (البرنامج) في السودان؛ ونائب الممثل المقيم (البرنامج) في أوغندا. حاصل على ماجستير العلوم في إدارة الأعمال واقتصاديات التنمية.


مواد ذات صلة

تقييم الأضرار في موانئ الحديدة، و الصليف و رأس عيسى وقدرتها الحالية