سامية: عالقة بين الحرب والنزوح

18 أبريل 2019

سُمح للسامية والعديد من الأخريات بفرصة العمل وتحسين ظروفهم المعيشية من خلال مشاريع النقد مقابل العمل التي ينفذها الصندوق الاجتماعي للتنمية ، بالشراكة مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

"كنّا قبل الحرب ننعم بحياة سعيدة ونشعر بالأمان في منزلنا." هكذا تختصر سامية – أم لثلاثة أطفال – كيف تسببت الحرب بمعاناتها ومعاناة أطفالها.   

"كانت حياتنا حياة يعمّها السلام وكانت عائلتي تعتمد على صيد الأسماك كمصدر للدخل والغذاء. تقول سامية: "كنّا عادة نصحوا في الصباح الباكر لنذهب لصيد الأسماك. كنت أقوم بإعداد طعام الإفطار لأسرتي ولأطفالي قبل ذهابهم إلى المدرسة. كانت حياتنا جيدة."

لكن المواجهات المسلحة في مدينة الحديدة جردت سامية من ذكرياتها السعيدة والآمنة وبدل من ذلك، أجبرتهم على الهروب للنجاة بأرواحهم. لقد شكّلت الحرب الدائرة في اليمن عبئا ثقيلا على كل اليمنيين، لاسيما النساء والأطفال، والذين هم في الغالب ما يكونون أكثر عرضة للمخاطر.

"كل شيء تغير بعد أن اندلعت الحرب وانتشر الصراع في كل مكان. لم يعد هناك أي مكان آمن بما في ذلك البحر. لم يعد باستطاعة أسرتي أن تقوم بصيد الأسماك وليس لدينا أي خيار آخر للحصول على المال،" كما تصف سامية.

"في نهاية المطاف، لم أكن قادرة على البقاء في مدينة الحديدة العزيزة على قلبي بسبب المواجهات المسلحة التي كانت على مقربة من منزلنا، ولم تعد الأمور آمنة كما كانت من قبل."

تجهش سامية بالبكاء عندما تبدأ حديثها عن قصة هروبها من منزلهم في الحديدة إلى مدينة تعز. تذكر سامية عبر دموعها المنهمرة مدى حبها للحياة هناك: "لقد كان أصعب قرار اتخذته في حياتي وهو ترك أسرتي في الحديدة يواجهون الحرب والجوع والموت. لكن الخوف من أن يلقى أبنائي حتفهم بالقذائف أو الصواريخ كان سبباً كافياً للهروب."

بعد نفسٍ عميقٍ، تتذكر سامية بقلبها المثقل أنه عندما كانت تلوذ بالفرار مع أطفالها لتجد حافلة تقلّها خارج الحديدة، أخبرهم سائق الحافلة بأن يتضرعوا لله بالدعاء وأن يستعدوا للموت في أي لحظة. "اعتراني الرعب،" تقول سامية. "لم نكن نعرف ما إن كنا سننجوا أم نلقي حتفنا على الطريق."

وعلى الرغم من الساعات المليئة بالرعب الشديد والخوف من التعرض للقتل على طول الطريق وسوء المعاملة عند نقاط التفتيش، تمكنت سامية وأطفالها من الوصول بسلامٍ إلى مدينة تعز.

سامية هي أم مستضعفة لا تهتم في هذا العالم بأي شيء أكثر من سلامة أطفالها. قامت برحلة محفوفة بالمخاطر إلى مدينة تعز أملاً بحياةٍ أكثر أمناً فقط لتواجه واقع لا يطاق ومعاناة النزوح.

"لم يكن لدينا مكان نأوي إليه أو أسرة تمد يد العون لنا في مدينة تعز،" تقول سامية.

لم يكن بمقدور سامية أن تتحمل استئجار شقة في مدينتها الجديدة بدون مساعدة أسرتها أو دخل ثابت. استطاعت أن تجمع ما يكفي من المال لاستئجار محل صغير دون المستوى المطلوب ويفتقر لوسائل الراحة، حيث مكثت هي وأطفالها لبعض من الوقت. تلقت بعد عدة أشهر وبلطف من جيرانها إيجار شهرين مكّنها من الانتقال إلى شقة صغيرة مع عائلتها.

"لقد كان مالك الشقة لطيفاً جداً ورجل جيد للغاية، حيث طلب فقط نصف مبلغ الإيجار. ورغم كل ذلك، لم يكن بمقدوري دفع النصف الآخر. بالإضافة إلى ما أدين به إلى مالك الشقة، فأنا مدينة بمبلغ 80,000 ريال يمني (ما يساوي 160$ تقريبا) للبقالة والمبلغ ذاته لبقالة أخرى." وأضافت سامية قائلة : "لقد كان من المحال عليّا أن أسدّد هذه الديون في وضعي السابق."

ولأن الكرم لا يدوم طويلاً وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، شعرت سامية بالعجز عندما بدأ مالك الشقة بطلب دفع مبلغ الإيجار كاملاً ومطالبة أصحاب البقالات بأموالهم. لقد أدّى ارتفاع أسعار المواد الغذائية المتصاعد إلى جعل توفير الغذاء لأطفالها شبه مستحيل.

"كنا نخلد إلى النوم ببطون خاوية في الكثير من الليالي. لم يكن هناك ما نأكله وكنت في العادة ما أقوم باقتراض الدقيق والحبوب من جيراني لأطعم أطفالي،" تحكي سامية معاناتها.

"كنت في مراتٍ عدة أخبر أطفالي بأنني لست جائعة لأن ما كنت أقدمه لهم من طعام بالكاد يكفيهم."

في خضم هذا الوضع المزري، سنحت الفرصة لسامية وغيرها من النساء للحصول على عمل،  وتحسين ظروفهن المعيشية من خلال مشاريع النقد مقابل العمل التي ينفذها الصندوق الاجتماعي للتنمية (SFD) في اليمن بالشراكة مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

تعمل سامية في الوقت الراهن مع الصندوق الاجتماعي للتنمية وتجني المال من عملها في الطلاء في مجتمعها المحلي. تقوم سامية بطلاء المدارس والمنتزهات والحواف الحجرية للشوارع. قيامها بإعداد وجبة الإفطار ومن ثم التوجه إلى العمل خلق لسامية روتين يومي شبيه بذالك الروتين الذي كانت تقضي به يومها في مدينة الحديدة، وهذا يجلب فرحة بالغة لها ولأطفالها.  

تقول سامية بابتسامة يحدوها العزّة والكرامة بأنها عملت لمدة أربعة أشهر حتى الآن وتحسنت أمور كثيرة في حياتهم والفضل يعود إلى هذا المشروع.

"يشعرني هذا العمل بالسعادة والتفاؤل بالمستقبل. أستطيع الآن أن أدفع الإيجار وأن أوفر احتياجات أطفالي من الغذاء. الجميع سعداء وبصحة وعافية."

اكتشفت سامية عبر مشروع (النقد مقابل العمل ) بأنها ليست الوحيدة التي عانت جراء الصراع الدائر في البلاد. تقول سامية: "التقيت بالعديد من الناس واستمعت لقصصهم الباعثة على الحزن. مثلاً، يقوم أحد زملائي في العمل بإنفاق الأموال التي يجنيها على معالجة ابنه المريض، بينما يعاني آخر من الفشل الكلوي وهو بحاجة ماسة للعلاج."

"عندما اسمع عن معاناة الآخرين من الناس، أواصل العمل بكدّ قدر الإمكان حتى لا أقع في ذلك الوضع مرة أخرى."  

تأمل سامية بأن يعمّ السلام في اليمن وأن تنتهي الحرب في أقرب وقت. تريد أن ينعم كل اليمنين بالعيش بسلام في مساكنهم.

"أريد أن تنتهي الحرب وأن يكون بمقدوري العيش بأمان مع أطفالي. ولا أريد أن أتوسل مرة أخرى للحصول على المساعدة من أي أحد.

أنهت سامية كلامها بابتسامة قائلة: "لقد تعلّمت درساً قيّماً من مشروع النقد مقابل العمل الا وهو الاعتماد على ذاتي والعمل بكدّ لجني المال، لتوفير احتياجات أطفالي."

***

بتمويل ودعم من البنك الدولي ، يتم تنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة للأزمة في اليمن (YECRP) من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية و مشروع الأشغال العامة (PWP). يوفر هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته 300 مليون دولار أمريكي حوافز اقتصادية في شكل مشاريع النقد مقابل العمل واسعة النطاق، ودعم الأعمال التجارية الصغيرة ، والمبادرات ذات العمالة الكثيفة المرتبطة بالمشاريع الاجتماعية والاقتصادية ، مما يعود بالفائدة على الأسر والمجتمعات المحلية المتضررة في جميع أنحاء اليمن.